امرأة تخطِب
ردة فعل تكررت على مسامعي في المجالس, تذكر إحدى المدعوات قصة عروس عرضت لشخص معين بخطبها أو أخ دلَ زميله على خطبة أخته ,ثم يبدأ التفاعل مع القصة من ذم العروس لوقاحتها و عدم حيائها أو السكوت الذي يصاحبه استغراب أو السخرية . أستغرب من هذا التصرف ,فالفعل لم يعتاده الناس في المجتمعات و لكنه ليس محرم أو بعيد. ألم يتزوج الصادق الأمين من السيدة خديجة رضي الله عنها عندما أرسلت له مَن يصارحه برغبتها في خطبته؟! فلِم الاستهزاء و التقليل من شأن من تفعل ذلك؟!
قصة زواج الرسول محمد صلى الله عليه و سلم من السيدة خديجة كانت كالآتي:
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم 25 عاما سافر بتجارة للسيدة خديجة إلى الشام. كانت تتاجر بمالها بمن تثق بهم من الرجال, فلما سمعت بأمانة رسول الله و صدقه حتى اشتهر بين قومه باسم (الأمين) بعثت إليه و عرضت عليه أن يسافر بمال لها إلى الشام ,فقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك و سافر مع غلامها ميسرة, فباع و اشترى و عاد بربح عظيم. و قد شاهد ميسرة في هذه الرحلة كثيرا من بركات النبي صلى الله عليه و سلم و إكرام الله تعالى له و كرم الخلق و حسن الصحبة و عظم الأمانة, فحدَث السيدة خديجة عما رآه في هذه الرحلة.
وذكرت بعض الروايات أن السيدة خديجة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم ، وصرَّحت له برغبتها أن تكون زوجةً له ، هذه رواية .
وذكرت رواياتٌ أخرى أنها أرسلت إليه بعض النساء لكي يتكلَّمن معه في موضوع الخطبة.
بل إنه من الممكن أن نجمع بين هذه الروايات كلها : تحدثت السيدة خديجة مع بعض خاصَّتها من النساء عن أمنيتها ، ورغبتها في أن تصبح زوجةً للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الحديث مع صديقتها نفيسة بنت مُنَيَّة ، وطلبت منها أن تساعدها في تحقيق رغبتها ، وقامت بالدَور المهم في التمهيد لهذه الخطبة المباركة ، وتحدثت أيضاً لأختها هالة بنت خويلد ، وكلَّفتها بالمهمة نفسها .
.
أما نفيسة ...فقد روى ابن سعد عنها أنها قالت : " كانت خديجة بنت خويلد امرأةً حازمة ، جلدةً ، شريفة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير ، وهي يومئذٍ أوسط قريشٍ نسباً ، وأعظمهم شرفاً ، وأكثرهم مالاً ، وكل قومِها كان حريصاً على نكاحها لو قدر على ذلك ، قد طلبوها وبذلوا لها الأموال ، فأرسلتني " .
تقول نفيسة : فأرسلتني دسيساً إلى محمد ـ كلفتني بمهمة ـ بعد أن رجع من عيرها في الشام فقلت : " يا محمد ما يمنعك من أن تتزوج ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : " ما بيدي ما أتزوج به " ، قلت : فإن كُفيت ذلك ، ودُعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب ؟ قال : "فمن هي ؟ " ، قلت : " خديجة " ، قال : " وكيف لي بذلك ؟ " ، قالت : "قلت علي " ، قال : " فأنا أفعل إذاً " .
فالإنسان إذا عُرِضَ عليه شيء لا يتأبَّى عنه ، من كمال الأخلاق إذا إنسان عرض عليك خير ؛ عمل ، زواج ، وكان شيء مقبول وجيد ، لا تتكبَّر ، لا تتأبَّى ، هذا تواضع من الإنسان ـ قال : بلى
وتحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب في موضوع الخطبة ، وزواجه بالسيدة خديجة ، وأخبره بما حدث معه ، فوافق عمه على أن يتقدَّم لخطبتها ، وذهب عمه مع عشرةٍ من وجوه بني هاشم إلى عمها عمرو بن أسد ، فخطبها منه ، فزوجه ، وقال : " هذا الفحل لا يُجْدَعُ أنفه " ، أي لا يرد طلبه .
هذا المقدار أيها الإخوة مقدار المهر ، يتفق مع ما جاء في الحديث الصحيح ، أن أبا سلمة بن عبد الرحمن سأل السيدة عائشة رضي الله عنها: ((كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : كان صداقه لأزواجه اثنتا عشرة أوقيةً ونَشَّا ـ الأوقية أربعون درهم ، والنَش نصف أوقية ـ ثم قالت : أتدري ما النش ؟ قال قلت : لا . قالت : نصف أوقية فتلك خمسمئة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه)) .
المؤمن يخطب ود الله عز وجل ، المؤمن لا يعنيه شيءٌ إلا أن يرضى الله عنه ، فهذه امرأةٌ رأت من فضائله وكماله ، ونزاهته ، واستقامته ، وأمانته ، وصدقه ، وعفافه ، الشيء الكثير ، فالآية عكست ، هي التي تخطبه ، تبحث إلى وسيلةٍ إلى قلبه.
اتفقت الروايات على أن السيدة خديجة هي التي خطبت النبي صلى الله عليه وسلَّم لتتشرف بالزواج منه ، وأنها هي التي مهَّدت بإجراءات الخطبة ، وتجاوزت بهذا كل الأعراف والتقاليد التي تجعل الرجل هو الخاطب ، الذي يتقدَّم لخطبة امرأة.
هذا والله أعلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق